ῥεᾄʀl ῥἶᾗƙ آلـ,ـآدآرة ♪
عدد المساهمات : 1331 نقاط : 22803 تاريخ التسجيل : 25/10/2010 العمر : 25 الموقع : الجزائر
| موضوع: فتح بلاد الترك الأربعاء 29 مايو 2013, 23:30 | |
| [size=29]فتح بلاد الترك[/size]
وقفنا في المقال السابق عند فتح مدينة (الباب)، وتَوَجُّه سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي خليفة سيدنا سراقة بن عمرو بعد موته إلى مملكة الترك ليفتحها، ولما عزم عبد الرحمن بن ربيعة على غزو الترك خرج بالناس، فقال له شهربراز: ما تريد أن تصنع؟ قال: أريد غزو الترك. قال: لقد رضينا منهم ألاّ نغزوهم ولا يغزونا. قال عبد الرحمن: لكنا لا نرضى حتى نغزوهم في ديارهم، وتالله إن معنا أقوامًا لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم الروم. قال: ومن هم؟ قال: أقوام صحبوا رسول الله، ودخلوا في هذا الأمر بِنِيَّة، ولا يزال هذا الأمر لهم دائمًا، ولا يزال النصر معهم حتى يغيّرهم من يغلبهم.
ولا ندعُ هذه القَوْلة تمر علينا دون النظر بإمعان والتفكر فيها لاستخلاص الدروس والعبر؛ فقد كان لسيدنا عبد الرحمن بن ربيعة نظرٌ ثاقب، وفهم عميق للإسلام العملي الذي يُطبَّق، وليس مجرد كلمات تقرأ في بعض الكتب.
ويخبر سيدنا عبد الرحمن أن النصر دائمًا مع المسلمين حتى يغيرهم من يغلبهم، فمن يستطيع أن يغير المسلمين يستطيع أن يغلبهم، ويظل المسلمون على هذه الحال حتى يعودوا من جديد إلى الإسلام، فيستطيعوا أن يغلبوا غيرهم كما تم في كل الحروب السابقة؛ ففي معاركهم مع الفرس كان المسلمون أضعف وأقل من الفرس في كل المواقع، وأيضًا في معاركهم مع الروم كان المسلمون أقل منهم عددًا وعُدَّةً، ورغم ذلك انتصر المسلمون وحققوا انتصارات كبيرة؛ والسبب أنهم لم يتغيروا.
واستخلاص هذه الدروس وتلك العبر لا يُعَدُّ خروجًا عن دراسة التاريخ، فلو أننا درسنا التاريخ لمجرد سماع الحكاية أو القصة فلن نستفيد من هذه المواقف، ولكن لو استفدنا وطبّقنا ما استفدناه سيكون درس التاريخ عبادة نؤجر عليها ونثاب.
وبنظرة إلى من استطاع أن يغير المسلمين نجد أن كثيرًا من أعداء المسلمين استطاعوا أن يغيروهم، ومما يؤثر في النفس أن يشترك المسلمون أنفسهم في التغيير، فيصير بعض المسلمين من أعمدة ذلك التغيير السلبي في الإسلام، وبذلك تتم الهزيمة.
ولقد غير اليهود كثيرًا في المسلمين، وكذلك فعل النصارى، كما غير بعض المسلمين في المسلمين.
كيد اليهود ومكرهم :
لقد سمعتم عن المؤتمر الذي عقد سنة ألف وثمانمائة وسبع وتسعين في مدينة "بال" بسويسرا، هذا المؤتمر حضره حكماء اليهود في أنحاء العالم، ودعا إليه زعيمهم في ذلك الوقت "تيودور هرتزل"، وكان مؤتمرًا سريًّا، ودعا إليه زعماء اليهود في كل أقطار الأرض، وذهب هؤلاء الزعماء إلى هذا المكان وفي ذلك التوقيت؛ ليخططوا ليكون لهم مستقبل ويكون للعالم نهاية، وبدءوا بوضع قوانين وأفكار ومخططات؛ ليسيطروا على العالم في وقت ما حددوه في ذلك اللقاء، ووضعوا ما سُمِّيَ بعد ذلك بـ (بروتوكولات حكماء صهيون).
وظلت هذه المعلومات سرية حتى تُرْجِمَت إلى اللغة الروسية بعد أن استطاع أحد الروس أن يحصل على هذه المعلومات خفية وترجمها إلى اللغة الروسية، ولكنها لم تنل حظها من الشهرة إلا بعد ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، حيث انتشرت ترجمتها إلى كل لغات العالم.
ومن ينظر إلى هذه المخططات يرى أن اليهود قاموا بالتخطيط ليسير عليه العالم كما خططوا، وفي البداية كان اليهود يوجهون الأمور مباشرة، ثم أصبح بعد ذلك من أبناء المسلمين من يحافظ على أفكار اليهود، ومن أبناء النصارى من يحافظ على أفكار اليهود، وبدأت أفكار ومخططات اليهود تنتشر في كل مكان كما وضعوه.
ولا بد من قراءة هذا المخطط ليعرف المسلمون أن ما يحدث حولهم هو مخطط من قبل ذلك، وما حدث من أحداث لم يكن اعتباطًا أو جاءت عفوًا. ومما ذكر في مخططاتهم تشجيع الانقلابات في كل البلاد، فدائمًا ما يشجعون الانقلابات ويزرعون الفتن والقلاقل داخل الدول، ويشجعون الطائفة قليلة العدد على الانقلاب، وبعد عدة سنوات يشجعون انقلابًا آخر في نفس الدولة من طائفة أخرى، وهذه القلاقل المستمرة لن تحافظ على كيان أي دولة من دول العالم مهما كانت قوتها، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة.
واليهود لهم دور كبير في دول قد لا يفكر الإنسان في القراءة عنها؛ ففي أوغندا وتشاد ومالي تجد لهم دورًا بارزًا في كل حدث، وقد تعجب عندما ترى يد اليهود تصل إلى جنوب أفريقيا، ولكن لا عجب فذلك تخطيط بعيد المدى، لتحقيق نتائج معينة.
ويعمل اليهود على تشجيع الحروب بين الدول، لكن بالمحافظة على الحدود الإقليمية لكل دولة حتى لا يتغير ميزان القوى في المنطقة، فتصبح إحدى الدول قوية ويتأثر اقتصاد اليهود بذلك، ومع تقدم اليهود الاقتصادي فإنهم يستطيعون تقديم مساعدات اقتصادية لهذه الدول؛ ليتمكنوا بعد ذلك من الحُكْم فيها، عن طريق حكام مسلمين في الظاهر، ولكن في الواقع يتمكن اليهود من السيطرة الاقتصادية عليها، وقد وُضِعت كل هذه المخططات موضع التنفيذ منذ قرن مضى.
ومن مخططاتهم السيطرة على الصحافة، والمطَّلِع على الأمور في أمريكا يرى السيطرة المطلقة لليهود على الصحافة، وللصحافة دور كبير في تغيير أي دولة، فمن الممكن أن ترفع من شأن أي قائد أو تضع منه، وقد تمدح في قانون ليكون أفضل قانون، أو تذم في نفس القانون ليكون أسوأ قانون في العالم.
وكما جاء في البروتوكول الرابع: سنختار من بين العامة رؤساء إداريين ممن لهم ميول العبيد، ولن يكونوا مدربين على فنِّ الحكم؛ ولذلك من اليسير أن يُمْسَخُوا قطعًا من الشطرنج ضمن لعبتنا في أيدي مستشارينا العلماء الحكماء الذين دُرِّبُوا خصِّيصًا على حكم العالم منذ الطفولة المبكرة.
وينص البروتوكول السادس على احتكار الثروة، وأنه لا بد لليهود من احتكار الثروة في العالم، وتملك كل البنوك وكل الذهب، وهم يعملون على تنفيذ هذا المخطط منذ قرن مضى.
وفي البروتوكول التاسع يقولون: عليكم أن توجهوا التفاتًا خاصًّا في استعمال مبادئنا إلى الأخلاق الخاصة بالأمة التي أنتم بها محاطون، وعليكم ألا تتوقعوا النجاح خلالها في استعمال مبادئنا بكل مشتملاتها حتى يعاد تعليم الأمة بآرائنا (فلن يكتب النجاح لليهود إلا بعد تغيير أخلاقيات الأمة التي تحيط بهم على النهج الذي أرادوه)، ولكن إذا تصرفتم بسدادٍ في استعمال مبادئنا فستكتشفون أنه قبل مضي سنوات سيتغير أشد الأخلاق تماسكًا.
وفي البروتوكول الثالث عشر يقولون: إنما توافق الجماهير على التخلي والكف عما تظنه نشاطًا سياسيًّا إذا أعطيناها ملاهيَ جديدة، سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي والألعاب ومُزْجيات الفراغ والمجامع العامة، وسرعان ما سنبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات كالفن والرياضة وغيرها، هذه المتع الجديدة سَتُلهي ذهن الشعب -حتمًا- عن المسائل التي سنختلف فيها معه.
وهذا مُشَاهد حقًّا في كل البلاد الإسلامية، وبالنظر إلى بلادنا تجد الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وكذلك الأزمة السياسية، وتجد الشعب لا يتكلم إلا عن مباريات الأهلي والزمالك، فكل تفكير الناس في هذا الأمر ومُلْهَاة به، وتنسى الأزمات الطاحنة، وتنسى كل القضايا التي يختلف فيها اليهود مع المسلمين، ويتكلمون في قضية يتفق العالم كله فيها كفريق البرازيل، وأنه فريق جيد هذا بالنسبة للرياضة، أما بالنسبة للفن فالأمر أشد سوءًا، ولو استرجع كل منا الصحابة الذين ذكرناهم، وكم صحابيًّا يعرف؟ وكم فنانًا يعرف؟ وما نوعية الفكر الذي أَتَشَرَّبُه؟ لوجد المصيبة عظيمة، ولعلم أنهم قد نجحوا في مخططهم أيما نجاح؛ فقد اهتم الناس بسفاسف الأمور كالرياضة والفن، ونسوا القضايا الأساسية كالسياسة وغيرها.
ويقول اليهود في البروتوكول الرابع عشر: يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان عند الأمميين (وهم غير اليهود).
فاليهود يعلمون أن للإيمان قوةً كبيرةً جدًّا، وأن من يتسلح بسلاح الإيمان يستطيع الوقوف والتصدي للعوائق الضخمة، ومن الممكن أن ينتصر على أعداد مهولة، وكما ذُكِرَ في التاريخ أن عدد المسلمين كان -دائمًا- أقلَّ من عدد عدوهم، لكن كان عندهم عنصر مهم ذكره سيدنا عبد الرحمن هو أنهم لم يتغيروا عن إسلامهم، وبكسر عقيدة الإيمان في أي شعب يسهل أن يكون فريسة لأي شعب آخر حتى ولو كان من عَبَدَةِ الطاغوت، أو من الخنازير كاليهود وغيرهم.
وفي البروتوكول السابع عشر يقولون: الحَطُّ من كرامة رجال الدين عند غير اليهود للإضرار برسالتهم (وفي الأفلام القديمة تجد تصوير العلماء بصورة هزلية ليغرس في نفوس الناس السخرية والاستهزاء تجاههم، وإذا تكلم العالم بعد ذلك فَيُحمَل كلامُه على محمل العبث والسخرية)، وذلك على العكس تمامًا من الوضع عندهم؛ فمعاركهم مع المسلمين كلها تنطلق من مُنطَلقَاتٍ دينية، ففي كل خطوات رؤسائهم تراهم يذكرون ما في التوراة المحرفة، وأنهم ينفذون تعاليمها، ومكتوب في الكنيست (مجلس النواب الإسرائيلي): "من النيل إلى الفرات" وهي آية من آيات التوراة المحرَّفة، ويعلنون عن هذا الأمر، وليسوا كغيرهم من الأمم التي غيرها اليهود ليتبعوا ما أرادوه منهم وما خططوه لهم.
والخطط التي وضعها اليهود تسير في مسارها الصحيح، فقد وضعوا خطة ليكون لهم وطن في فلسطين بعد خمسين عامًا، وفي عام ثمانية وأربعين وبعد واحد وخمسين عامًا تحقق لهم ما خططوه وكان لهم وطن في فلسطين، وخططوا أيضًا ليكون لهم بعد مائة عام دولة من النيل إلى الفرات، وهم -وإن لم يحققوا السيطرة العسكرية- قد حققوا السيطرة الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية، وأصبحت السيطرة لا تخفى على عاقل.
فهذه إحدى الفرق التي غيرت في المسلمين، ونحن لا نريد بهذا الكلام أن نضخم حجم اليهود ونَحُطُّ من شأن المسلمين، أو أن نصور أن هذه هي النتيجة الطبيعية لحرب المسلمين واليهود، ولكن ذلك ناتج عن تخلي المسلمين عن دينهم، فلقد كان اليهود على نفس الوتيرة ونفس العقلية منذ عهد النبي وحتى هذا العهد الذي استطاعوا أن يغيروا فيه المسلمين هذه التغييرات، ولكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك إلا بعد الضعف الذي أصاب المسلمين، فبدأ النشاط اليهودي يَقْوَى وينشط ويتضح لهم أثر، وهذا انقلاب للموازين، ولكن إذا صلح أمر هذه الأمة يُطَبَّقُ كلام سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة: "لا يزال هذا الأمر دائمًا لهم، والنصر معهم حتى يغيرهم من يغلبهم", ولو استطاع المسلمون أن يغيروا ما بأنفسهم، ورجعوا إلى إسلامهم كان لهم الأمر من بعد ذلك، ولغيروا اليهود وتكون لنا الغلبة عليهم كما كانت لنا الغلبة من قبل.
وقد غير في المسلمين من غير اليهود كثيرٌ، سنتكلم عنهم في مقالات قادمة، والمقال القادم سنتكلم عن المسلمين الذين غيروا في المسلمين.
غزو الترك :
بعد هذه الكلمة التي قالها سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي، والتي سطرها التاريخ لتكون قاعدة من قواعد النصر عند المسلمين،لم يجد شهربراز بُدًّا من الدخول في أرض الترك، ولقد ذكرنا أن سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي دخل في أرض الترك مسافة ألف ومائة كيلو متر إلى الشمال، وهي مسافة ضخمة دون أن يلقى مقاومة تُذكر من الترك، بل كان الجيش التركي يفر من أمام جيش المسلمين، رغم أن مملكة الترك -كما ذكرنا- كانت تضاهي مملكة فارس، حتى إن الفرس -على ما لهم من قوة- أقاموا معهم معاهدة ألا يغزوا أرض الفرس ولا يغزو الفرس أرضهم، وكان على رأسهم ملكٌ يُلقب بالخاقان ذو بأس وقوة، وكان الجيش التركي يُعرف عنه القوة العظيمة، ومع ذلك فرَّ الجيش من أمام المسلمين؛ وكان ذلك نتيجة شائعة انتشرت في الجيش التركي، وهذه الشائعة لم يكن للمسلمين فيها يد، وكان مصدر هذه الشائعة الجيش التركي نفسه، وصدقوا الشائعة التي أطلقوها هم وفروا من أمام الجيش الإسلامي.
وكانت الشائعة التي انتشرت بين الترك عن المسلمين أنهم قالوا: ما جرأهم على أرضنا، ودخول بلادنا، وقدومهم من الجزيرة العربية، وغزوهم فارس، ثم الدخول في مملكة الترك إلا أن الملائكة تحميهم، وأنهم لا يموتون؛ فكانت الجيوش التركية تهرب من أمام المسلمين، وجيوش المسلمين تفتح بلاد الترك، حتى وصل سيدنا عبد الرحمن الباهلي إلى مسافة ألف ومائة كيلو متر، وسيطر على هذه المنطقة، وبدأ بوضع الحاميات، وعاد سيدنا عبد الرحمن الباهلي إلى منطقة الباب.
وبعد ذلك، وفي عام ثمانية وعشرين من الهجرة ستحدث للمسلمين بعض الانشغالات، وسيصيب بعض الحاكمين في هذه المنطقة بعضُ الفساد -وإن لم يكن كالفساد المستشري اليوم- ونتيجة هذا الفساد يعكس الله الوضع؛ تحقيقًا لكلمة عبد الرحمن الباهلي: "لو تغير القوم عما كانوا عليه لضاع منهم النصر، حتى ولو كانوا ذوي عدد وعدة".
وقد قال بعض الترك: إن المسلمين لا يموتون وما أصيب منهم أحدٌ في غزوهم. وسبب ذلك أن المسلمين غزوهم قبل ذلك ولم يُقْتَلْ منهم أحد، فلهذا ظنوا أنهم لا يموتون. فقال بعضهم: أفلا تجرِّبون؟ فكمنوا لهم في الغياض، فمر بالكمين نفرٌ من الجند فرموهم منها فقتلوهم؛ فثارت الترك وحاربت المسلمين، وانتصر فيها الترك على المسلمين، ثم أرسل سيدنا عثمان بن عفان جيشًا من المسلمين كانت لهم الغلبة ولم يكونوا أصحاب معاصٍ وذنوب. فالله له سنن في الكون، وهذه السنن واضحة {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43].
فسنة الله لا تتغير ولا تتبدل، فالطاعة يقابلها نصركم يقول I: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]. وليس بين الله وبين أحد محاباة أو نسب، بل العمل والتقوى هو الذي يتميز به إنسان عن إنسان، فالمفاضلة عند رب العالمين أساسها التقوى. وهذا بالنسبة لمملكة التُّرْك.
نرجع إلى الجيوش التي أخرجها سيدنا عمر بن الخطاب لتغيير خريطة العالم، وكانت تلك الجيوش التي أخرجها لفتح شمال الدولة الفارسية، وكانت عبارة عن خمسة جيوش خرجت من منطقة الكوفة كما ذكرنا من قبل.
جيش لفتح همذان، وجيش لفتح جرجان، أو الري وما وراءها، وجيشان لفتح أذربيجان، وجيش لفتح "الباب" الذي غزا الترك بعد ذلك. وهذه خمسة جيوش كانت قافلة من الكوفة، وكانت هناك جيوش أخرى قافلة من البصرة، وكما ذكرنا لأن الكوفة والبصرة هما قاعدتا العمليات العسكرية للجيش الإسلامي في بلاد فارس.
فتح جنوب فارس :
بعد الفتح الذي امتنَّ الله به على المسلمين في المنطقة الشمالية لبلاد فارس، توجهت الجيوش الإسلامية لفتح جنوب بلاد فارس، وفي المنطقة وفي شرق نهر دجلة مباشرة تقع مدينة الأهواز، وقد فتحها المسلمون قبل ذلك، وكان الفتح على يد سيدنا أبي موسى الأشعري وسيدنا أبي سبرة بن أبي رهم، والتي استشهد فيها سيدنا البراء بن مالك في معركة "تُسْتَر" التي تحدثنا عنها قبل ذلك بالتفصيل، وسقوط الهرمزان وكل هذه الأحداث كانت في شرق نهر دجلة وفي شمال هذه المنطقة، ولم يدخل المسلمون هذه المنطقة إلا مرة واحدة، وكانت ذكرى سيئة للمسلمين في عملية لم تُكَلَّلْ بالنجاح للمسلمين وهي عملية طاوس.
دولة فارس :
تقع هذه المنطقة في شرق الخليج الفارسي وهي في غاية الأهمية؛ لأنها دولة فارس الأم "دولة بني ساسان"، وهي التي توسعت على مَرَّ الزمان، واحتلت الأهواز واحتلت الري واحتلت أصبهان وسجستان ومُكْرَان وكل المنطقة التي تحيط بها، وأصبحت هذه هي الدولة الفارسية، وحققت كل ذلك قبل أربعمائة سنة من الوقت الذي نتحدث عنه.
وهناك مدينة "إِصْطَخْر" المقدسة وسُمِّي على اسمها الإقليم كله؛ فكان أكبر إقليم فارسي، وهذه المدينة الفارسية من أشد المدن حصانةً، ويقع بداخل مدينة "إِصْطَخْر" النار المقدسة التي لا تُطفأ أبدًا كما يعتقدون، وكان فيها القيادات الدينية لبني ساسان، وكانت لها مكانة عظيمة جدًّا عند الفرس.
ومنطقة فارس تنقسم إلى خمسة أقاليم رئيسية:
إقليم إصطخر.
إقليم أَرَّجَان وهو قرب الأهواز مباشرة، وعلى حدود المسلمين في ذلك الوقت، فقد فتح المسلمون كل هذه المنطقة.
إقليم سابور.
إقليم أَرْدَشِير.
إقليم دارا بجِرد.
وهذه الأقاليم الخمسة هي أصل الدولة الفارسية.
فتح إقليم فارس :
يبدأ سيدنا عمر بن الخطاب بتجهيز الجيوش من البصرة وهو في المدينة، وكأنه في ميدان المعركة؛ فيخطط لفتح إقليم فارس فيضع الخطة كالمعتاد، ويجهز سيدنا عمر بن الخطاب ثلاثة جيوش رئيسية لفتح الإقليم، وهذه الجيوش قافلة من البصرة لتتوزع على الأقاليم المختلفة بعد ذلك:
الجيش الأول بقيادة مجاشع بن مسعود.
والجيش الثاني بقيادة سارية بن زُنَيْم.
والجيش الثالث بقيادة أبي موسى الأشعري.
وهذه الجيوش الثلاثة موجَّهة إلى إقليم "أَرَّجَان" أول الأقاليم الفارسية، وهذا الإقليم كان على حدود الدولة الإسلامية في هذه الفترة؛ فألقى الله الوهن في قلوب الفرس في هذا الإقليم، فقبلوا الجزية مباشرة، ولم يحدث قتال يُذكَرُ، وأعطوا الجزية لسيدنا أبي موسى الأشعري، وبقي سيدنا أبو موسى الأشعري في هذه المنطقة، وأكملت جيوش المسلمين بقيادة مجاشع بن مسعود وسارية بن زنيم -رضي الله عنهما- إلى إقليم فارس.
في ذلك الوقت علم المسلمون أن القوات الفارسية جمعت جموعًا عظيمة في بلدة تسمى "تَوَّج"، وهذه البلدة على الخليج الفارسي، وهي في إقليم سابور أصغر أقاليم فارس.
والجيش الإسلامي قادم من الشمال لهذه البلدة، فكان المعتاد أن الجيش الإسلامي إذا وجد تجمعًا اتجه إلى الجيوش الفارسية التي تحاربه، لكن المسلمين وضعوا خطة جديدة متجاهلين الجيوش الفارسية في "تَوَّج"، واستمروا في المسير إلى إقليم فارس، وكان ذلك من نتاج خبرات المسلمين في المعارك السابقة.
ولو نذكر موقعة "بُرْس" قبل فتح المدائن مباشرة، وقد تجمعت القوات الفارسية من أماكن مختلفة، ولما حاربهم المسلمون وانتصروا عليهم لم يدافعوا عن المدائن بل تفرق كلٌّ إلى مكانه الذي قدم منه ليدافع عنه، كلٌّ يريد أن يحافظ على ما يملك ولا تهمه الدولة الفارسية.
فكانت خطة المسلمين أن يسيروا إلى إقليم فارس تاركين جموع الفرس في "توج"، وتدريجيًّا يتفكك هذا الجيش وكل فرقة من هذا الجيش سترجع إلى إقليمها لتدافع عنه، وتبقى فرقة سابور حيث هي.
وكما توقع المسلمون ووضعوا خطتهم فقد تقدم الجيش الإسلامي متجاهلين الجيش الفارسي في توج، وما إن علم الجيش الفارسي المعسكر في توج أن المسلمين تجاهلوهم إلى بقية الأقاليم، حتى ذهب أهل كل أقليم إلى إقليمهم ليدافعوا عنه، فكانت تلك هزيمتهم وتشتَّتتْ أمورهم.
ولم يكن تقدم المسلمين عشوائيًّا بل كان بخطة محكمة، فما إن وصل الجيش الإسلامي إلى "دارا بجرد" حتى انقسم الجيش قسمين: قسمًا على رأسه سيدنا مجاشع بن مسعود ويتجه بجيشه إلى أردشير؛ ليلتف حول الجيش الفارسي من الخلف ويواجه بقايا الجيش الفارسي في توج، والقسم الآخر على رأسه سيدنا سارية بن زنيم يتوجه إلى "دارا بجرد" ليفتحها كما خطط له سيدنا عمر بن الخطاب.
ولما توجه سيدنا مجاشع بجيشه إلى أردشير لم يجد فيها جيشًا؛ فجيشها ما زال في توج ولم يصل بعدُ؛ فيتجه إلى توج ليجد بها نقصًا كبيرًا في عدد جنود الفرس على عكس تواجدهم منذ فترة قصيرة قبل مجيء الجيش الإسلامي، ويدخل سيدنا مجاشع بجيشه إلى توج ويحارب الفرس، ولم تشرح كتب التاريخ -للأسف- موقعة "توج"، ولكن توجد رواية واحدة رواها جبير الذي حضر المعركة بكلمات يسيرة جدًّا، ومع وجازتها إلا أن لها قيمة كبيرة، يقول الراوي: "فاقتتَلوا ما شاء الله (وذلك يدل على أن المعركة كانت طويلة)، ثم هزم الله أهل توج للمسلمين".
ومن خلال كلمات هذا الراوي نتبين أنه كان ذا فهم عميق، فهو يعلم تمام العلم أن النصر من عند الله، وما هم إلا أداة لتحقيق إرادة الله I بأن يُعِزَّ الدين وأهله، ويذل الشرك وأهله، فيذل الله الفرس للمسلمين: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، وقتلهم المسلمون كيف شاءوا كل قتلة، وغنموا ما في عسكرهم، وحاصروا توج فافتتحوها، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وغنموا ما فيها، ولم تقم لتوج قائمة بعد اليوم، ودعا مجاشع الفارِّين إلى الجزية؛ فأجابوا.
وقد هرب أهل سابور في الجبال؛ ولذا فقد دعا بعد انتصاره أهل الجبال ليرجعوا إلى بلادهم، ويدفعوا الجزية؛ فرجعوا إلى بلادهم، ودفعوا الجزية للمسلمين، وفتح المسلمون بذلك سابور وأردشير بجيش سيدنا مجاشع بن مسعود .
وفي ذلك التوقيت يأتي سيدنا عثمان بن أبي العاص بجيش من البحرين ليفتح إصطخر عابرًا الخليج الفارسي كما أراد أن يفعل العلاء بن الحضرمي، لكن مع اختلاف الموقف؛ فالدولة الفارسية تترنح تحت ضربات الجيش الإسلامي، والقوات الفارسية في كل مكان تتلقى الهزائم، وفي هذه اللحظة يأذن سيدنا عمر للجيوش الإسلامية بالتحرك داخل البحر، وما كان مَنْع سيدنا عمر بن الخطاب التحرك في البحر قبل ذلك تعنتًا أو قصر نظر، بل لأن المرحلة لم تكن مواتية لذلك، بدليل أنه عندما دخل الجيش الإسلامي في ذلك الوقت تلقَّى الهزيمة من الجيوش الفارسية، أما الآن فالجيوش الإسلامية بالفعل قد سيطرت على المنطقة البرية، والجيوش الفارسية تتلقى الهزائم في كل مكان، ومن الصعب أن يأتي لها مدد؛ فيأذن سيدنا عمر بن الخطاب في هذه اللحظة لسيدنا عثمان بن أبي العاص الذي تولى الأمر في البحرين بعد سيدنا العلاء بن الحضرمي بأن يتوجه بجيشه إلى إصطخر، فينزل سيدنا عثمان بن أبي العاص إلى أردشير ويؤسس مدينة للمسلمين، ويبني فيها مسجدًا كعادة المسلمين ببناء المساجد عند فتحهم أي بلد، ثم تكملة الفتوحات بعد ذلك.
وبعد بنائه المسجد تركها لمجاشع بن مسعود، وتوجه بجيشه إلى إصطخر هذه المدينة التي تتعلق بها قلوب الفرس، وكانت في منتهى الحصانة كما ذكرنا، ويلتقي عثمان بن أبي العاص والجيش الفارسي في معركة يقول عنها المؤرخون: إنها من أشد المعارك في إقليم فارس، ولكن ليست من أشد المعارك في الدولة الفارسية كلها.
وكل معارك إقليم فارس تأتي فيها الهزيمة في صفِّ الجيش الفارسي، ونتج ذلك عن الهزائم التي تلقوها من المسلمين في هذه الفترة الطويلة التي دخل المسلمون معهم فيها في حروب منذ بداية العام الثاني عشر الهجري إلى العام الثاني والعشرين من الهجرة؛ فأصيبت نفوسهم بالوهن، وماذا يفعل ذلك الجيش الذي يعيش حياة الهزيمة أمام جيش يقاتل لإحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة.
وبعد قتال عنيف هزم الله أهل إصطخر، ويسيطر المسلمون على مدينة إصطخر الدينية، وقد كان أول من سلم من أهلها رجل الدين "هربذ"، ورضي أهل إصطخر بدفع الجزية للمسلمين، وقُتِلَ قائِدُ الفرس في هذه المعركة واسمه "شَهْرَك" على يد سيدنا عثمان بن أبي العاص .
ووصل جيش سيدنا سارية بن زنيم إلى "دارا بجرد"، وهناك -وفي منطقة كان فيها تجمع كبير للفرس- حاصر الجيش المسلم هذه المنطقة، واستطاع أن ينتصر عليهم في البداية انتصارًا جزئيًّا، ولكنهم استدعوا مددًا فجاءهم مدد من مُكْرَان، ومن البلاد التي تقع شرقي إقليم فارس، فجاء مدد عظيم، وجاء مدد آخر من شرق إصطخر التي لم تفتح بعد؛ وَوُضِعَ المسلمون في موقف من أحرج المواقف في فتوح فارس، فقد قدم عليهم جيش مكران من الجنوب، وجيش إصطخر من الشمال، وكان أمامهم جيش "دارا بجرد"، والجيش في صحراء واسعة بقيادة سيدنا سارية بن زنيم.
ولم يكن لهذا الموضع إلا حلٌّ واحدٌ فقط، ولم يخطر على بال أحد من المسلمين الموجودين في أرض المعركة، لكنه جاء على بال شخص ليس في ميدان المعركة، بل بعيد جدًّا عنها، فقد خَطَرَ ببال سيدنا عمر بن الخطاب وهو في المدينة على بُعد آلاف الكيلو مترات، وتحدث كرامة من الكرامات، ويحقق الله على يديه النصر في "دارا بجرد" في البلاد الفارسية وهو في المدينة المنورة.
أما كيف حقق سيدنا عمر النصر للمسلمين في "دارا بجرد"، هذا ما نعرفه -بإذن الله- في المقال القادم. | |
|
winnie the pooh عضوة جديدة
عدد المساهمات : 729 نقاط : 18056 تاريخ التسجيل : 05/02/2013 الموقع : in the planet
| موضوع: رد: فتح بلاد الترك الخميس 30 مايو 2013, 00:20 | |
| | |
|